الجزء الأول: ظلال ما قبل الرحيل
في مملكة “نوران”، حيث يتوهّج الأفق بشعاع طيفي بعد غروب الشمس، وتهب الرياح حفّادةً تملأ الهواء برائحة الأعشاب البرية، نشأ الأخوان كريم ورامي في قرية هادئة تسمّى "حديداء الأنهار". كانا يتيمين منذ صغرهما، يربيهما رجال القرية بحنانٍ وكأنهما ولداهم. كريم الأكبر (في السابعة عشرة)، كان يُعرف بالحسّ الحكيم والقلب الطيب، بينما كان رامي الأصغر (في السادسة عشرة) مرحًا طليقا، مفعما بالحياة.
نشأا محبان للطبيعة، يقضيان ساعات في الغابة، يقرأان أساطير المملكة، يتخيلان مغامرات بطولية.
لكن شيئاً تغيّر في العام الأخير. بدأ كريم يشعر بأن شيئاً مظلماً يترصد وراء أخيه. يستيقظ في منتصف الليل، يجد رامي يقف مكفّ الهوى، يتأمّل النافورة في وسط القرية، وكأن عيناه ترى أشياءً هناك لا تراها بقيتنا.
سأل رامي في إحدى الليالي:
– "أشعر أني أسمع صوتًا يناديني تحت الأرض."
كانت هذه بداية سلسلة من الأحداث؛ اختفاء الحيوانات في البلدة، اقتلاع الأشجار في الغابة الليلة، ظهور رموز ملوّنة بقوة في الصخور الصدئة.
في أحد الأمسيات، جاء أحد القرويين مسرعاً يطلب من كريم أن يساعده بنقل بقرةٍ أصابها إنفلونزا غريبة. أعطاها الكريم لرامي، لكنه لم يصل بالمريضة أبداً. بحث عنه كريم حتى المساء، حتى وجده في زاوية مظلمة من الغابة، ينفث دخاناً أسود.
ركض نحوه، وصرخ:
– "رامي، ما هذا؟"
ردّ رامي بصوت مبحوح:
– "إنه... لا تفهم، إنها قوة تعطيني فقط."
ركض كريم إلى قرية ضوء القمر، حيث كان حكيم القرية – شيخ "هدى الأرض" – يمرّن تلاميذه. شرح له ما رآه. قال الحكيم:
– "إن قوةٌ قذرة وجدت لها طريقاً إلى روح رامي، قد تكون لعنةً قديمة."
وزع على كريم قنينة زيتٍ نادر من شجرة "الأمل الأخير" وكتاب تعويذات طهارة ذات أصلٍ سامي. قال الحكيم:
– "اتبعه إلى حيث يقودك، فهو البطل في إدراكه، أنت البطل في تحريره."
وهكذا بدأت رحلة كريم، بنفس واحد يملؤه القلق، وحب أخٍ لا يتزعزع، نحو الغابة، نحو المجهول.
الجزء الثاني: انهيار القناع
في الليلة التالية، اقترب كريم من حضيض الغابة، حيث أصوات غريبة تتداخل مع وقع خطواته. تسلق صخرة عالية، وكان يرى رامي قبالته يعتمد على جذع شجرة، يتحدث إلى ظلٍ مظلم.
طرق كريم بجذعه على الصخرة لتنبيه أخيه ولكن الظل التفت، وكانت المفاجأة صادمة: لم يكن ظل رامي، بل ظل كائن أسود مسامي، ملتحف بالظلام، بداخل الدماغ العلوي لجسد رامي.
ركض كريم ينادي:
– "رامي! أنا هنا! تذكرني!"
رد الظل بترنّح الصوت:
– "لقد تحرّرت يا كريم. لم أعد أحتاجكما."
اندفع الظل من جسد رامي، ليصبح ككرة نار سوداء تطلق صخباً. اندفع كريم ليتصدّى لها، هبّه من القنينة التي أعدّه الحكيم، رشّ الزيت على الظل وأشعل فيه تعويذة التطهير. انفجرت بقوة، وفي لحظة، تغيّر سلوك رامي؛ وقف واقفاً، يلهث من الألم، يتأمل يديه كمن لا يعرف نفسه.
أخذ كريم أخاه من هناك، وعاد به إلى الحكيم. ظنّ أن الرحلة انتهت. لكن رامي، برمشة عين، قال بصوت هادئ:
– "هيهات، لقد عرفت كيف أصغي إلى الظل، وكيف أجعله مصدر قوة."
سقط الحكيم على كرسيه، وابتسم بابتسامة مؤلمة، وقال:
– "لقد ابتلعت القوة، ولا يمكنك التخلص منها بسهولة. دمت أيها البطل، أنت وأخاك، مترابطان في الاختيار."
ثم طلب الحكيم أن يعود الأخوان إلى القرية، ليجدوا الدمار: الأشجار مقطوعة، بئر القرية ملوّثة بلون أسود، الحيوانات ميتة، والجدران منقوشة برموز محظورة تدلّ على “عبادة الظلال”.
قادهم الحكيم إلى وسط الحقل، وسحب من جيبه رقعة قديمة يظهر عليها رسم أخ مضيع، قال له:
– "هذا رامي. هو الراعي، ولكنه أيضاً بوّاب للطريق بين عالمينا."
– "ماذا تقول؟" تلعثم كريم
– "الهالة السوداء التي حوله تعني أنه اخترق الحاجز. عليك الآن أن تتبعه إلى معبدٍ ضائع، هناك ستعرف الحقيقة."
الجزء الثالث: في معبد الظلام
طرق كريم بجذعه على الصخرة لتنبيه أخيه ولكن الظل التفت، وكانت المفاجأة صادمة: لم يكن ظل رامي، بل ظل كائن أسود مسامي، ملتحف بالظلام، بداخل الدماغ العلوي لجسد رامي.
ركض كريم ينادي:
– "رامي! أنا هنا! تذكرني!"
رد الظل بترنّح الصوت:
– "لقد تحرّرت يا كريم. لم أعد أحتاجكما."
اندفع الظل من جسد رامي، ليصبح ككرة نار سوداء تطلق صخباً. اندفع كريم ليتصدّى لها، هبّه من القنينة التي أعدّه الحكيم، رشّ الزيت على الظل وأشعل فيه تعويذة التطهير. انفجرت بقوة، وفي لحظة، تغيّر سلوك رامي؛ وقف واقفاً، يلهث من الألم، يتأمل يديه كمن لا يعرف نفسه.
أخذ كريم أخاه من هناك، وعاد به إلى الحكيم. ظنّ أن الرحلة انتهت. لكن رامي، برمشة عين، قال بصوت هادئ:
– "هيهات، لقد عرفت كيف أصغي إلى الظل، وكيف أجعله مصدر قوة."
سقط الحكيم على كرسيه، وابتسم بابتسامة مؤلمة، وقال:
– "لقد ابتلعت القوة، ولا يمكنك التخلص منها بسهولة. دمت أيها البطل، أنت وأخاك، مترابطان في الاختيار."
ثم طلب الحكيم أن يعود الأخوان إلى القرية، ليجدوا الدمار: الأشجار مقطوعة، بئر القرية ملوّثة بلون أسود، الحيوانات ميتة، والجدران منقوشة برموز محظورة تدلّ على “عبادة الظلال”.
قادهم الحكيم إلى وسط الحقل، وسحب من جيبه رقعة قديمة يظهر عليها رسم أخ مضيع، قال له:
– "هذا رامي. هو الراعي، ولكنه أيضاً بوّاب للطريق بين عالمينا."
– "ماذا تقول؟" تلعثم كريم
– "الهالة السوداء التي حوله تعني أنه اخترق الحاجز. عليك الآن أن تتبعه إلى معبدٍ ضائع، هناك ستعرف الحقيقة."
الجزء الثالث: في معبد الظلام
في صباح الليلة الثالثة، انطلق الأخوان مع الحكيم في رحلة طويلة نحو الجبال. الطريق موحشة، والصخور كأنها جثث أحجار تلوّى في أوجاعها.
حين وصلوا إلى حافة وادٍ كبير، رأوا معبداً نصف متهدم، يتسلّق العشب عليه، وأمام باب الضخمة نقشٌ يقول:
"دَع الظلّ يحكم ويخسر من لا يخضَع"
تردد الأخوان، لكن الحكيم قال:
– "الآن الوقت. لن ينقذ أحدٌ سواكما ما تبقّى من القلعة."
دخلوا داخله بحذر. أعمدة عالية، مظلمة، تصدّى برمز الالهة القديمة "زيرف". وفي قلب القاعة، رأى كريم أخاه يقف أمام مذبح يصبّ دماً أسوداً من حجر. الشياطين الصغيرة تدور حوله، تسمع طقوسه.
قال رامي بنبرة قوية، مزيفة:
– "إنها طقوس النور الجديد. نورٌ لا يأتي من فوق، بل من باطن الظل."
وقف كريم أمامه:
– "رامي، توقف! هذا ليس أنت! اخسريه."
ردّ رامي، بنظرة باردة:
– "أنا ما أردت أن أكونه. عانيت طول عمري لأعيشه في ظل أخٍه. أنا الآن أخترت."
ظهر فجأة الحكيم، وهو يردد تعويضة التطهير من الكتاب:
– "من بطل الحقّ أولًا... يُسقَط الظلام."
انتهرو العشب الأسود بصوت خشخشة، وقف تزاحم الشياطين، وقعت أعمدتهم الواهية، سقط الحجر الملطخ، وانكشفت درجات تؤدي إلى غرفة سرية.
نزلوا باتجاهها، ليجدوا غرفة صغير، منقوشة بالرموز نفسها، مغطاة برماد، في وسطها صندوق. انتهى إلى مسامعه صوت رامي من الأعلى:
– "اذهب أيها النذل، ورَ أَخيته في صفوفي."
فتح كريم الصندوق ليجد فيه قلادة فضية على شكل عين ساهرة وبداخلها حجر أسود يمتلئ بخُبايا.
فقاطعه صوت رامي:
– "آه، رأيتها... قلادة "عين زيرف" – عين الظلال."
قال كريم:
– "إنها مصدر قوتك!"
– "ليست مجرد مصدر، إنها غائي. كل شيء حولنا بدأ لأنني وجدت ذاتي فيها."
قبل أن يستكمل، اندفع صوبهما هجوم من شياطين الغابة، لكن القلادة انطلقت بوميض من داخلها، حوّلت كل شيء إلى رماد.
قال رامي بتحدٍّ:
– "أنا القائد الآن. لا أحد يوقفني."
انتزع كريم القلادة من رقبته، ووضعها على رقبته هو. بدأ حجر العين ينبض بقوة، والشياطين تهاجم بوحشية.
هنا، أمسك الحكيم بيد كريم قائلاً:
– "استخدمها للطيّ، ليس للذات."
ركز كريم على روح أخيه، واستحضر ذكرى طفولتهم، اللعب في الغابة، وعبث الضحك؛ وكل ما خيطته الذكرى إليها.
ثم همس:
– "رامي... تذكر من كنت."
تبعت كلمات كريم عزف عبقري في نفسه، وتصدعت القلادة، فتناثر الحجر الأسود، واختفى الظل عن غرفة المعبد.
سقط رامي على ركبتيه، وجفه الدموع:
– "لقد... لقد كنت أبصرت."
ابتسم كريم ورتّل أناشيد توافق، لمحو قوة العين منها، حتى تفتت القلادة تماماً.
أخذ الحكيم الحطام ورماها في حفرة قديمة، وأغلق المعبد.
الجزء الرابع: الحقيقة المره
بعد خروجهم من المعبد، ساد صمتٌ ثقيل. كانت الشمس تغرب، والأفق يحمّر.
رمى الحكيم نظرة على كفيه، وقال بنبرة روحانية:
– "لقد دفنت القوة بزكامها، لكن الحقيقة أخف بها."
تساءل كريم:
– "ماذا تقصد يا شيخ؟"
قال الحكيم:
– "إن القوة لم تُغادر رامي، بل تحوّلت. حين امتلكها، غيّرته، لكنها أيضاً كشفته."
– "كيف؟"
قام الحكيم وأخذ ياقة رامي بين يديه، تنشّق منه رائحة التراب النقي، ومزيج القش. قال:
– "هو الآن أقوى، لكنه مؤلم. القوة لا تُمحى، تُحوّل؛ تنحت الإنسان. رامي اصبح ملك الظلال، لكنه لم يستسلم."
نهض رامي بصوت متهدّج:
– "أريد العودة. أريد أن أكون أنا."
اندفعوا معاً نحو القرية. وجدوا أن الأشجار تبدو كأنها تنفّست أخيراً؛ الأنهر تجمعت لتشرب النور. الناس خرجوا ينظفونه.
تقدّم أحد كبار شيوخ القرية وقال:
– "لقد كنتم في قلوبنا."
احتفى أهل القرية بعودة كريم ورامي؛ زينوا الحقول، شمّروا عن السواعد لبناء ما خُرب.
لكن داخلهما، ظلّ أسئلة:
– "كيف سأعيش الآن، بعد أن أدرك الظل؟" تساءل كريم.
– "كيف سأتصالح مع أخٍ يحمل علّةً كبيرة؟" تلعثم رامي.
في المساء، جلسا على حافة البئر، وبدأ كريم يروي أحلامهما المستقبلية، لبنانًا ساخنًا، شجر زيتون، كتاب تكتب فيه حكمة الحياة.
نظر رامي إلى أفقٍ شاحب، وقال:
– "لقد رأيت قوة... لكن ما رأيته قيمته أنني عرفتك؛ وصرت أفهم؛ وصارت روحي تتوق للنور."
قال كريم وصافح يده:
– "سنُعيد بناء ما تهدّم. سنعيد بناء أنفسنا."
الخاتمة: نور ما بعد الظلمة
رمى الحكيم نظرة على كفيه، وقال بنبرة روحانية:
– "لقد دفنت القوة بزكامها، لكن الحقيقة أخف بها."
تساءل كريم:
– "ماذا تقصد يا شيخ؟"
قال الحكيم:
– "إن القوة لم تُغادر رامي، بل تحوّلت. حين امتلكها، غيّرته، لكنها أيضاً كشفته."
– "كيف؟"
قام الحكيم وأخذ ياقة رامي بين يديه، تنشّق منه رائحة التراب النقي، ومزيج القش. قال:
– "هو الآن أقوى، لكنه مؤلم. القوة لا تُمحى، تُحوّل؛ تنحت الإنسان. رامي اصبح ملك الظلال، لكنه لم يستسلم."
نهض رامي بصوت متهدّج:
– "أريد العودة. أريد أن أكون أنا."
اندفعوا معاً نحو القرية. وجدوا أن الأشجار تبدو كأنها تنفّست أخيراً؛ الأنهر تجمعت لتشرب النور. الناس خرجوا ينظفونه.
تقدّم أحد كبار شيوخ القرية وقال:
– "لقد كنتم في قلوبنا."
احتفى أهل القرية بعودة كريم ورامي؛ زينوا الحقول، شمّروا عن السواعد لبناء ما خُرب.
لكن داخلهما، ظلّ أسئلة:
– "كيف سأعيش الآن، بعد أن أدرك الظل؟" تساءل كريم.
– "كيف سأتصالح مع أخٍ يحمل علّةً كبيرة؟" تلعثم رامي.
في المساء، جلسا على حافة البئر، وبدأ كريم يروي أحلامهما المستقبلية، لبنانًا ساخنًا، شجر زيتون، كتاب تكتب فيه حكمة الحياة.
نظر رامي إلى أفقٍ شاحب، وقال:
– "لقد رأيت قوة... لكن ما رأيته قيمته أنني عرفتك؛ وصرت أفهم؛ وصارت روحي تتوق للنور."
قال كريم وصافح يده:
– "سنُعيد بناء ما تهدّم. سنعيد بناء أنفسنا."
الخاتمة: نور ما بعد الظلمة
مرّت الأشهر التالية في بناء وإصلاح. زرع الناس الخضروات، ومشى رامي مع الحكيم يتعلّم حكمة الطبيعة، وتمرّد كريم على ترديد الحِكمة التي جمعها في قلبه.
ومع مرور الوقت، أصبحت قرية "حديداء الأنهار" رمزاً للأمل، للانعتاق من الظل، وبداية جديدة للمغفرة.
علّم كريم ورامي أهل القرية كيف يزرعون أسوار الأمل بجذور المحبة، وحفروا أحواض الزرع بالقرب من الرموز القديمة لزيرف، ليذكّروا بأن بني الأمل والظل يمكن أن يجتمعا في بوتقةٍ بشرية، ولكن لا مكان للظلام حين نجتمع على نور أخٍ وأخيه.